ما هي الروتاري؟ كيف تأسست؟ وأين وصلت عالميًا ومحليًا؟
الروتاري هي حركة عالمية تضم رجال وسيدات اعمالٍ ومهنيين يجمعهم هدفُ خدمة الانسان وتشجيعُ المستويات الأخلاقية السامية في الحياة وتعزيز النية الحسنة بين الناس وتوطيد السلام في العالم . كما تدعو هذه الحركة الناس الى الاحتكام في كل ما يفكرون به او يفعلونه, الى اختبار رباعيّ يتمثل بالأسئلة الأربعة التالية : هل هو الصدق ؟ هل ينصف جميع المعنيين؟ هل يخلق نيةً حسنة ويعزز الصداقة ؟هل سيفيد كل الاطراف ؟
مؤسس الحركة الروتارية هو محام شاب اسمه بول هاريس (Paul Harris). ولهذا التأسيس قصة تتراوح بين استشراف المستقبل والابداع والإصرار والطرافة. كان بول هاريس يعيش في مطلع القرن الماضي في قريته الصغيرة في ضواحي مدينة شيكاغو في ولاية الينوي في الولايات المتحدة الامريكية. فعندما انهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة المحاماة. ابتدأ يزاول عمله في قريته القريبة من شيكاغو. نظرًا لجديته وذكائه, نجح في عمله. فأصبح خلال مدة قصيرة معروفأ في القرية .وهذا مما جعله مرتاحا اجتماعيا لكنه لم يكن راضيأ عما يتقاضاه من مردود مادي مقابل اتعابه , فقرر مغادرة قريته منتقلا إلى مدينة شيكاغو .
استأجر بول هاريس في شيكاغو مكتبا متواضعا في بناية تحتوي على مكاتب عديدة ومتنوعة واخذ يزاول عمله هناك. لكن النتيجة لم تكن بمستوى تطلعاته. فالناس في شيكاغو لا يعرفونه والمحامون في المدينة كثيرون, ولهذا فالمردود المادي بقي ضئيلا .اخذ يفكر بطريقة يستطيع بواستطها ان يدخل الى نسيج الحياة الأجتماعية في شيكاغو, فقرر ان يبادر الى التعرف على اكبر عدد من جيرانه المستأجرين معه في البناية. والى التواصل المباشر مع كل منهم, عارضا عليهم ان يجتمعوا مرة واحدة في الأسبوع, في مكتب احدهم لتناول طعام الغذاء معا وللتحدث عن المشاكل التي تعترض كلا منهم, وكيف يمكنهم مجابتها تذليلها. وعن السبل التي يقترحونها لتحقيق النجاح. ثلاثة فقط ممن توجه اليهم تجاوبوا معه, احدهم صاحب منجم فحم والاخر تاجر اما الثالث فكان مهندسا. وهكذا كانت البداية .
ففي 23شباط سنة 1905, حضر الثلاثة الى مكتب بول هاريس, حيث تناولوا طعام الغذاء سويةً وحالا بعد ذلك الاجتماع, اخذوا يتحدثون عن إمكانيات مساعدة احدهم للأخر لتحسين أوضاعهم في العمل, كما قرروا في نهاية ذلك الاجتماع, تكرار عقد مثل هذا اللقاء اسبوعيًا في مكتب كلّ منهم بالتناوب وبصورة دورية . ومن هناك جاء مصطلح روتاري (ROTARY) المشتق من كلمة بالانجليزية أي دوران او تعاقب او مناوبة.
فكرة الروتاري هذه. اخذت تلاقي استحسانا وحماسا. مما جعلها تستقطب آخرين. وهكذا اصيح عدد المجتمعين في نهاية سنة 1905 ثلاثين شخصا, مما جعلهم يقررون عقد لقاءاتهم الأسبوعية في مطعم او في فندق, كما اخذت تصلهم طلبات لتأسيس اندية مماثلة في مدن أخرى في اميركا.
توسع حركة الروتاري في غضون السنوات الثلاث التي تلت تأسيسها, رافقها تغيير في الهدف .ففي سنة 1908 وفي أحد الاجتماعات العامة لمجموعة الروتاري برئاسة بول هاريس قرروا تغيير الهدف من مساعدة بعضهم بعضا الى مساعدة الغير ايضا, فأصبح شعار Service Above Self “أي خدمة الغير قبل الذات” .ومن الطريف في هذا السياق, ان اول مشروع قام به نادي روتاري شيكاغو, كان شراء حصان لجر عربة قسيس المدينة بدل حصانه الذي كان قد نفق. اما المشروع الثاني فكان بناء مراحيض عامة في وسط مدينة شيكاغو .
يبدو لي ان توسيع هدف حركة الروتاري من “خدمة الذات” الى “خدمة الغير قبل الذات” قد بعث زخما في الحركة, فأزداد عددُ اندية الروتاري في اميركا, ازدياد ملحوظا ما لبث ان تخطى الحدود الى كندا فأوروبا وأميركا الجنوبية واسيا و افريقيا ايضا. ففي سنة 1929 تأسس اول نادٍ في منطقة الشرق الأوسط, في القاهرة, وهذا النادي أسس بدوره نادي القدس سنة 1929 ,وبعد ثلاث سنوات (أي 1932) تم تأسيس نادي روتاري حيفا الذي ما زال قائما حتى اليوم, والذي أسس بدوره نادي تل ابيب 1935, كما نادي روتاري القدس ونادي روتاري حيفا قد اسسا سويةً سنة 1952 نادي روتاري الناصرة.
توجد اليوم أندية روتاري في نحو 200 قطرًا ومنطقة جغرافية في العالم . ولقد انتشرت الحركة في السنوات الأخيرة في دول شرق أوروبا ايضا, كما جددت في بعض الدول التي كانت قائمة فيها قبل الحرب العالمية الثانية . وهكذا فإن الحركة الروتارية في العالم قد حققت نجاحا باهرا واتسع نطاق عملها ليشمل اليوم أكثر من خمسة وثلاثين ألف نادٍ في جميع أنحاء العالم, تضم اكثر من مليون ومئتي الف عضوا . لقد اقتصرت عضوية نوادي الروتاري في البداية على الرجال فقط وأقيمت لعقيلات الأعضاء نوادٍ نسائية خاصة بهن عرفت باسم نوادي الدولاب الداخلي {انروييل} والتي قامت بدورها وما زالت تقوم بمختلف الفعاليات والنشاطات الاجتماعية الخاصة بها. لكن هذا الفصل الجندري ما لبثت ان تغير في عام 1988 أي بعد اكثر من ثمانين سنة على تأسيس الروتاري ,فتقرر اشراك نساء من مهن مختلفة, كعضوات في نوادي الروتاري الى جانب الرجال ليشاركوا في العمل وفي خدمة المجتمع.